كيفية التيمم بالحجر: دراسة فقهية مفصلة

التيمم هو نوع من الطهارة التي شرعها الإسلام كبديل للوضوء أو الغسل عند عدم وجود الماء أو عدم القدرة على استخدامه لسبب معتبر شرعًا. ويأتي التيمم رحمةً وسهولةً للمسلم في حالة تعذر استعمال الماء سواءً لعدم وجوده، أو لخوف ضرر بسبب استخدامه، كمرض أو إصابة. من بين طرق التيمم، التيمم بالحجر يُعد من الأدوات الشرعية التي وردت في النصوص، وله قواعد وضوابط دقيقة، تستوجب التعرّف عليها بعمق لضمان صحة التيمم واعتباره طهارةً شرعية تبيح أداء العبادات المرتبطة بالطهارة كالصلوات.

مفهوم التيمم وأهميته

التيمم لغةً يعني الضرب بيد الإنسان على شيءٍ طاهرٍ غير الماء، ثم مسح الوجه واليدين. وشرع التيمم في الإسلام بعد أن أثبتت الشريعة الحكمة في التشريع، ليكون بديلاً ميسراً إذا تعذّر استعمال الماء. والتيمم من الشعائر التي تجمع بين الممارسة العملية والحكم الشرعية، حيث يعكس التيسير والرحمة في التشريع الإسلامي.

التيمم بالحجر هو ضرب اليد على الحجر الطاهر، وهو أحد صور التيمم المشروعة، وهو أمر نص عليه الشرع في قوله تعالى:

﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ [النساء: 43]،

والصعيد الطيب هو التراب الطاهر، ومن ضمنه الحجر، إذا توافرت فيه شروط الطهارة وعدم النجاسة.

شروط التيمم بالحجر

لكي يكون التيمم بالحجر صحيحًا ومقبولاً، لا بد من توافر مجموعة من الشروط الشرعية التي تحدد صحة التيمم، وهي كالتالي:

1. وجود سبب يمنع استعمال الماء

لا يصح التيمم إلا عند وجود عذر شرعي يمنع من استعمال الماء، مثل:

• عدم وجود الماء أصلاً.

• المرض أو الخوف من المرض إذا استخدم الماء.

• وجود جرح أو علة في الجلد تجعل استعمال الماء ضارًا.

• شح الماء بحيث لا يكفي للطهارة والضرورة.

2. استخدام شيء طاهر ونظيف

يجب أن يكون الحجر المستخدم في التيمم طاهرًا غير نجس، وهذا يعني أن الحجر لا يحمل نجاسة أو أذى، ويكون نظيفًا. والحجر عمومًا يعتبر من الأشياء الطاهرة التي لا يضرّ استخدامها للتيمم، لما ثبت في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تمم بالحجر في بعض الحالات.

3. أن يكون الحجر من الأرض

ورد في الشريعة أن التيمم يكون بالتراب الطاهر، ويجوز استخدام الحجر باعتباره من التراب أو جزءًا من الأرض الطاهرة، شرط أن لا يكون الحجر مطليًا أو مغطى بشيء نجس أو غير طاهر. فلا يجوز التيمم بالحجر إذا كان مغطيًا بالطين النجس أو مادة غير طاهرة.

4. أن يضرب به كف اليد مرة واحدة على الأقل

الطريقة الصحيحة في التيمم هي ضرب الكف على الحجر مرة واحدة على الأقل، فيأخذ التراب أو الغبار على الكف، ثم يُمسح به الوجه والكفين. ويُشترط ألا يكتفي بالتيمم بدون ضرب اليد على الحجر.

خطوات التيمم بالحجر

عند تحقق الشروط السابقة، فإن التيمم بالحجر يتم وفق خطوات محددة لضمان صحة التيمم. الخطوات كالآتي:

1. النية

النية أساس كل عبادة، ويجب أن ينوي المسلم التيمم بدلاً من الوضوء أو الغسل، بقصد الطهارة لأداء الصلاة أو غيرها من العبادات التي تشترط الطهارة.

2. ضرب الكفين على الحجر

يضرب المسلم كفيه على الحجر الطاهر مرة واحدة على الأقل، فيأخذ التراب أو الغبار على الكفين.

3. مسح الوجه

يمسح المسلم وجهه بالكفين الملطختين بالتراب، مع تعميم المسح للوجه كله، من أعلى الجبهة حتى أسفل الذقن، ومن الأذن إلى الأخرى.

4. ضرب الكفين على الحجر مرة ثانية

يضرب المسلم كفيه مرة أخرى على الحجر، فيأخذ مزيدًا من التراب.

5. مسح اليدين إلى المرفقين

يمسح المسلم يديه حتى المرفقين، بدءًا باليد اليمنى ثم اليسرى، مع تعميم المسح.

تتوقف صحة التيمم على أداء هذه الأفعال بالترتيب والكيفية الصحيحة، وعدم ترك أي منها.

حكم التيمم بالحجر في الفقه الإسلامي

أجمع جمهور الفقهاء على جواز التيمم بالحجر، وهو مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، وكذلك في مذهب الحنفية عند وجود عذر يمنع استخدام الماء. ويرجع ذلك إلى النصوص الشرعية التي تأمر بالتيمم بالصعيد الطيب، والصعيد يشمل التراب والحجر والطين.

ويفسر الفقهاء الحجر بأنه جزء من التراب، وإذا ضرب المسلم يده على الحجر حصل التراب على يديه، فيجوز التيمم به، بل هو أمر مشروع ومسنون في حالة العجز عن الماء.

يستند الحنفية في جواز التيمم بالحجر إلى أن الحجر جزء من الأرض، فإذا كان نظيفًا فهو طاهر. وقد ثبت في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

“لَمَّا جَاءَ الْوَحْيُ أُمِرْتُ أَنْ أَتَيَمَّمَ بِالطِّينِ فَرَضِيْتُ بِالصَّعِيدِ”

وهذا دليل على أنه يجوز التيمم بالتراب بما فيه الحجر.

أمثلة من السنة في التيمم بالحجر

ورد في سير النبي محمد صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تؤكد مشروعية التيمم بطرق مختلفة منها التيمم بالحجر. فقد تيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حالة مرض أو عدم وجود الماء، وضرب يديه على التراب أو الحجر ثم مسح وجهه ويديه.

ومن ذلك، قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

“كنا نُوصي أزواجنا أن لا يتيممن إلا بصعيد طيب، فإن الحجر من التراب”

وهذا يدل على اعتبار الحجر من أصناف التراب الطيب الذي يجوز التيمم به.

حالات تمنع التيمم بالحجر

مع وجود جواز التيمم بالحجر، هناك حالات لا يجوز فيها التيمم ويجب الوضوء أو الغسل بالماء، وهي:

• وجود الماء الطهور والكافي للطهارة.

• عدم وجود عذر يمنع استخدام الماء.

• وجود حجر نجس أو مغطى بمواد غير طاهرة.

كما لا يجوز التيمم بمواد غير التراب، مثل الخشب أو الأجسام المعدنية، لأنها ليست طاهرة ولا جزءًا من التراب.

التيمم بين الفقه والواقع المعاصر

في الواقع المعاصر، قد يواجه المسلم حالات تستدعي التيمم، خاصة في المناطق الجافة أو أثناء السفر أو في حالات الأمراض الجلدية التي تمنع استخدام الماء، وقد يتوفر الحجر في كل مكان، فيصبح التيمم بالحجر حلًا عمليًا وشرعيًا لتنظيف النفس والبدن.

وقد حرص الفقهاء على تبسيط الشروط مع الحفاظ على القواعد الشرعية، لتناسب الحياة العصرية والظروف المختلفة. ولذلك فإن التعرف على كيفية التيمم بالحجر والتزام الشروط الفقهية يضمن سلامة الطهارة والعبادة.

مقارنة التيمم بالحجر مع التيمم بالتراب

أثر التيمم على الطهارة والعبادات

التيمم بالحجر له نفس أثر التيمم بالتراب، حيث يعتبر طهارة شرعية صحيحة تبيح أداء الصلاة وغيرها من العبادات التي تشترط الطهارة. ويُرفع به الحدث الأصغر والأكبر عند العذر، ويجوز به دخول المسجد، والاعتكاف، والقراءة في المصحف، وحضور الجمع والصلوات الجماعية، ولا فرق بين التيمم بالحجر أو التراب في هذه الأحكام.

خلاصة

التيمم بالحجر هو وسيلة شرعية مشروعة لطهارة المسلم عند تعذر استخدام الماء، ويجب توافر الشروط والآداب التي حددها الشرع ليكون صحيحًا. الحجر باعتباره جزءًا من التراب الطاهر، يُعد من أفضل المواد التي يجوز التيمم بها، وذلك استنادًا إلى الأدلة الشرعية وتطبيقات الفقهاء. فهم كيفية التيمم بالحجر وأهميته في الطهارة يضمن أداء العبادات بصورة صحيحة ومتوافقة مع مقاصد الشريعة الإسلامية، ويعكس رحمة الله وسعة دينه في التيسير على عباده في كل زمان ومكان.

المصادر

1. كتاب “الفقه الإسلامي وأدلته”، الدكتور وهبة الزحيلي.

2. “الشرح الممتع على زاد المستقنع”، العلامة ابن عثيمين.